كتب مصعب الخطيب - مدير العلاقات العامّة لملتقى رجال أعمال نابلس:
لا أحد يمكلك الإجابة على هذا السؤال، حتّى أولئك الذين يطالبون بفرض الإغلاق الشامل، يدركون تماما أنّه ليس حلّا، بل ”فشّة خلق“ في ظلّ التوتر الذي يعيشه العالم.
دولٌ عظمى جرّبت الإغلاق كأحد الخيارات لمنع انتشار الوباء، لكنّها تراجعت بعد أن ثبت فشله في الحدّ من أعداد الإصابات.
تركيا مثلا، تفرض اليوم الإغلاق الجزئي في بعض المدن، لكنّ أعداد الإصابات فيها يتزايد يوميا، ”إسرائيل“ جرّبت هي الأخرى، لكنّها لم تفلح في الحدّ من الانتشار المرعب للوباء.
تحت ضغط الشارع، قد تلجأ الحكومة الفلسطينية للإغلاق، لكنّها لن تغلق البلد إلى الأبد، وستعود ”حليمة لعادتها القديمة“، تماما كما جرى في الأردنّ الشقيق، حيث زادت أعداد المصابين بشكل متسارع، عندما سمحت الحكومة بعودة الحياة، بعد تجربة مريرة من الإغلاق الشامل والحاسم.
في فلسطين، جرّبنا الإغلاق الشامل، عندما كنّا نعدّ المصابين بالعشرات، لكنّنا واجهنا حقائق صعبة، من ضمنها مثلا، أننا لن نستطيع فرض الإغلاق على قرى ومخيمات خارج نطاق سيطرة الأمن الفلسطيني، ومن ضمنها أيضا، أنّ ميزانية الحكومة لا تسمح لها بتعويض الاف العمال الذين فقدوا وظائفهم جرّاء الإغلاق، وأنها كذلك لن تتمكّن من دفع تعويضات لعشرات المصانع والمصالح التجارية، التي توقّفت عن العمل بفعل القرار، لذلك شاهدنا كيف رفض رئيس الوزراء التوصية التي خرجت عن لجنة الطوارئ في نابلس لفرض الإغلاق الشامل، لأنه يدرك تماما المخاطر التي تنطوي على هذا القرار.
لا شكّ أنّ الصراع بين الاقتصاد والصحّة قائم، ولا ينكره أحد، ليس عندنا فقط، بل في كلّ دول العالم، وهو صراع منطقي خلقه الوباء.
كنّا نعرف صراعات بين الخير والشرّ، بين النظافة والتخلّف، بين الثقافة وقلّة الوعي، بين القانون والفلتان، بين الأحزاب السياسية، لكننا بتنا أمام صنف جديد من الصراعات.
في الأشهر الثلاثة التي أغلقت فيها الحكومة البلد بشكل متقطّع، (نيسان/أيار/حزيران) تراجعت القطاعات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، وفقد عشرات الالاف العمّال وظائفهم، ودخلت المنظومة الاقتصادية في دوّامة من البحث عن مخرج، دون جدوى حتّى اللحظة، ويتوقّع خبراء الاقتصاد، أننا بحاجة لعامين على الأقلّ بعد انتهاء الجائحة لسدّ الثغرات التي نتجت عن الإغلاق الشامل.
ما الحلّ إذا؟!
هذا هو السؤال الذي يدور في ذهن رئيس الوزراء يوميا، ويطرحه آلاف المواطنين على بعضهم كلّ يوم، وتدور حوله كلّ النقاشات المجتمعية في البيت والشارع والمنابر الإعلامية والحلقات المغلقة في الدوائر الصحيّة.
كثير من الناس يرون الإغلاق الشامل حلّا وحيدا، حتّى لو تدمّر الاقتصاد بشكل كامل، دون وعي لمخاطر هذه النتيجة على المجتمع.
أما التجار ورجال الأعمال فقد قالوا كلمتهم أكثر من مرّة، ومفادها أنّ الحلّ يكمن في تطوير القطاع الصحّي ليستوعب الأعداد الجديدة من المصابين، الذين يشكّل المرض خطرا على حياتهم، وأبدوا استعدادهم لمساندة الحكومة في هذا الإطار، كما أنّهم يرون في التطبيق الحاسم لقرارات الحكومة المتعلقة بالكمامات وفرض الغرامات حلّا جزئيا قد ينجح في تقليل أعداد المصابين.
لكنّهم يرفضون الإغلاق في ظلّ عدم قدرة الحكومة على فرضه في مناطق خارج سيطرتها، وعدم قدرتها على دفع تعويضات (ولو جزئيا) عن الأضرار التي ستحلق بهم وبآلاف العمّال جرّاء قرار الإغلاق.
صدقا، لا أحسد الحكومة ولا رئيسها على وضعهم، ولا أتمنّى أن أكون في منصب أحدهم في ظلّ هذه الفوضى من التفكير في مصائر الناس، فالخيارات صعبة.
© جميع الحقوق محفوظة
(طباعة)